الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} الْآيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَصْرِ فِي الْخَوْفِ، وَالسَّفَرِ وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِيهِمْ يُصَلِّي لَهُمْ صَلاَةَ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَعْدَ فَرِيقٍ فَكَانَتْ صَلاَةُ الْخَوْفِ مُبَاحَةً لِلْمُسَافِرِ، وَالْمُقِيمِ بِدَلاَلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلِلْمُسَافِرِ، وَالْمُقِيمِ إذًا آنَ الْخَوْفُ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلاَةَ الْخَوْفِ، وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا بِكَمَالِ عَدَدِ صَلاَةِ الْمُقِيمِ، وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ لِلسَّفَرِ، وَإِنْ أَتَمَّ فَصَلاَتُهُ جَائِزَةٌ، وَأَخْتَارُ لَهُ الْقَصْرَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} الْآيَةُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاَةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صُفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ، وَجَاءَ الْعَدُوُّ فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصُفُّوا، وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ يُخْبِرُ عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ فَإِذَا سَجَدَ كَانُوا مِنْ وَرَائِهِ، وَجَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَصَلَّوْا مَعَهُ، وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا سَجَدُوا} إذَا سَجَدُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سُجُودِ الصَّلاَةِ كُلِّهِ، وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ دَلاَلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ انْصِرَافَ الطَّائِفَتَيْنِ وَالْإِمَامِ مِنْ الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَضَاءً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَوْفَقُ مَا يَثْبُتُ مِنْهَا لِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقُلْنَا بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخَوْفِ صَلَّى كَمَا وُصِفَتْ بِدَلاَلَةِ الْقُرْآنِ ثُمَّ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ الْخَوْفِ مُسَافِرٌ فَكُلُّ طَائِفَةٍ هَكَذَا يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ فَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ، وَتَقْرَأُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لِأَنْفُسِهَا لاَ يَجْزِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ إمَامَتِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ إلَى الْقَصْرِ، وَتُخَفِّفُ ثُمَّ تَرْكَعُ، وَتَسْجُدُ، وَتَتَشَهَّدُ، وَتُكْمِلُ حُدُودَهَا كُلَّهَا وَتُخَفِّفُ ثُمَّ تُسَلِّمُ فَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْرَأُ الْإِمَامُ بَعْدَ إتْيَانِهِمْ قَدْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ لاَ يَضُرُّهُ أَنْ لاَ يَبْتَدِئَ أُمَّ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي أَدْرَكُوهَا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَرْكَعُ، وَيَرْكَعُونَ مَعَهُ، وَيَسْجُدُ فَإِذَا انْقَضَى السُّجُودُ قَامُوا فَقَرَءُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، وَخَفَّفُوا ثُمَّ جَلَسُوا مَعَهُ، وَجَلَسَ قَدْرَ مَا يَعْلَمُهُمْ قَدْ تَشَهَّدُوا، وَيَحْتَاطُ شَيْئًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ أَبْطَأَهُمْ تَشَهُّدًا قَدْ أَكْمَلَ التَّشَهُّدَ أَوْ زَادَ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَلَوْ كَانَ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ بِهِمْ حِينَ يَدْخُلُونَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَقْرَءُوا شَيْئًا أَجْزَأَهُ، وَأَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ، وَكَانُوا كَقَوْمٍ أَدْرَكُوا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُدْرِكُوا قِرَاءَتَهُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَءُوا بَعْدَمَا يُكَبِّرُونَ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ خَفِيفَةٍ فَإِذَا كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي يُصَلِّيهَا بِهِمْ الْإِمَامُ مِمَّا لاَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَجْزِ الطَّائِفَةَ الْأُولَى إلَّا أَنْ تَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَزِيَادَةً مَعَهَا إذَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوا، وَلَمْ يَجْزِ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ إذَا أَدْرَكَتْ مَعَ الْإِمَامِ مَا يُمْكِنُهَا فِيهِ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ تَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَشَيْءٌ مَعَهَا بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ صَلاَةُ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ لاَ يُجْهَرُ فِيهَا لَمْ يَجْزِ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ إلَّا مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ لَهُ فِي وَقْتٍ لاَ يُمْكِنُهُ فِيهِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ صَلاَةُ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِ خَوْفٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَكُلُّ رَكْعَةٍ جُهِرَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا لاَ يُجْزِئُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ أَنْ لاَ يَقْرَأَ، وَيَكْتَفِي بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلاَةُ أَرْبَعًا أَوْ ثَلاَثًا لَمْ يُجْزِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ أَوْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ يَزِيدَ، وَلاَ يَكْتَفِي بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَقَرَأَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يَسْجُدُوا تِلْكَ السَّجْدَةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي صَلاَةٍ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بِسَجْدَةٍ فَسَجَدَتْ الطَّائِفَةُ الْآخِرَةُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأُولَى أَنْ تَسْجُدَ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعَهُ فِي صَلاَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ مُسَافِرًا الْمَغْرِبَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قَامَ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَحَسَنٌ، وَإِنْ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِ بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدُ فَجَائِزٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلَيَّ أَنْ يَثْبُتَ قَائِمًا لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ قَائِمًا، وَإِنَّمَا اخْتَرْت أَنْ يُطِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ لِتُدْرِكَ الرَّكْعَةَ مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِيَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ تُحْكَ الْمَغْرِبُ وَلاَ صَلاَةُ خَوْفٍ فِي حَضَرٍ إلَّا بِالْخَنْدَقِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلاَةُ الْخَوْفِ فَكَانَ قِيَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ حِينَ قُضِيَ السُّجُودُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ جُلُوسٌ فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْمَغْرِبَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً، وَإِنَّمَا قَطَعَتْ الْأُولَى إمَامَةَ الْإِمَامِ، وَصَلاَتُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِ الْإِمَامِ فَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ كَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إذَا قَطَعُوا إمَامَتَهُ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إذَا صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ أَرْبَعًا فَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ فِي مَثْنًى حَتَّى يَقْضِيَ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتَهُمْ، وَيَكُونَ فِي تَشَهُّدٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَقُومَ فَيُتِمَّ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ فِرْقَتَانِ صَلاَةُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ صَلاَةِ الْأُخْرَى فَأَوْلاَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ الْأَكْثَرَ مَعَ الْإِمَامِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى صَلاَةً عَدَدُهَا رَكْعَتَانِ فِي خَوْفٍ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ قَامَ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِسَهْوٍ فَصَلاَتُهُ وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِعِلَّةٍ فَصَلاَتُهُمْ جَائِزَةٌ لاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَلاَ سَهْوٍ فَجَلَسَ قَلِيلاً لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ جَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ فَعَلَيْهِ عِنْدِي إعَادَةُ الصَّلاَةِ فَإِنْ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، وَهُوَ جَالِسٌ فَقَامَ، فَأَتَمَّ بِهِمْ، وَهُوَ قَائِمٌ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَالِمًا بِإِطَالَةِ الْجُلُوسِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَلاَ سَهْوٍ ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ فَعَلَيْهِ عِنْدِي الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ تَكْبِيرَ افْتِتَاحٍ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الصَّلاَةَ كَمَا يَكُونُ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ رَجُلاً افْتَتَحَ الصَّلاَةَ بِلاَ تَكْبِيرٍ أَوْ صَنَعَ فِيهَا شَيْئًا يُفْسِدُهَا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ أَنْ يَقْضِيَ صَلاَتَهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا صَنَعَ مِمَّنْ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الطَّائِفَةِ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ كَمَا يَكُونُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ مُفْسِدٍ لِصَلاَتِهِ بِلاَ عِلْمٍ مِنْهُ تَامَّ الصَّلاَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ أَفْسَدَ الصَّلاَةَ عَامِدًا فَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ، عَلِمَ بِإِفْسَادِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بَاطِلَةٌ لِأَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَا صَلاَتَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَعْمِدْ فَسَادَهَا لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى، وَلَمْ يَقْضِ الَّذِينَ صَلَّوْا خَلْفَهُ وَعُمَرُ إنَّمَا قَضَى سَاهِيًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ لاَ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّ هَذَا يُفْسِدُ صَلاَةَ الْإِمَامِ قِيلَ: وَكَذَلِكَ لاَ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّ تَرْكَ الْإِمَامِ التَّكْبِيرَ لِلِافْتِتَاحِ وَكَلاَمَهُ يُفْسِدُ صَلاَتَهُ ثُمَّ لاَ يَكُونُ مَعْذُورًا بِأَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَهُ إذَا فَعَلَ بَعْضَ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ صَلاَةِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مَا يُفْسِدُهَا، وَلَوْ كَانَ كَبَّرَ قَائِمًا تَكْبِيرَةً يَنْوِي بِهَا الِافْتِتَاحَ بَعْدَ جُلُوسِهِ تَمَّتْ صَلاَةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ صَلاَتِهِ قَبْلَ يُفْسِدَهَا، وَالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي صَلاَتِهِ حَتَّى افْتَتَحَ صَلاَةً مُجْزِئَةً عَنْهُ، وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ، وَعَمَّنْ خَلْفَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى إمَامٌ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ فَفَرَّقَ النَّاسَ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً، وَثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَسَاءَ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَالثَّانِي أَنَّ صَلاَةَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ، وَتَتِمُّ صَلاَةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ صَلاَتِهِ قَبْلَ تَفَسُّدِ صَلاَتِهِ، وَكَذَلِكَ صَلاَةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ قَبْلِ فَسَادِ صَلاَتِهِ لِأَنَّ لَهُ فِي الصَّلاَةِ انْتِظَارًا وَاحِدًا بَعْدَهُ آخَرُ، وَتَفْسُدُ صَلاَةُ مَنْ عَلِمَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مَا صَنَعَ وَأَتَمَّ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَةُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا صَنَعَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ فِي الصَّلاَةِ إلَّا انْتِظَارَيْنِ، الْآخِرُ مِنْهُمَا، وَهُوَ جَالِسٌ فَيُسَلِّمُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلَّى بِطَائِفَةٍ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ، وَطَائِفَةٍ رَكْعَةً كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، وَلاَ صَلاَتُهُمْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ، وَتَخْرُجَ مِنْ صَلاَتِهِ كَانَتْ إذَا صَلَّتْ ثَلاَثًا، وَخَرَجَتْ مِنْ صَلاَتِهِ قَدْ خَرَجَتْ بَعْدَمَا زَادَتْ، وَإِنْ ائْتَمَّتْ بِهِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ فَرْضِ صَلاَتِهَا لَمْ تُفْسِدْ صَلاَةَ الْإِمَامِ أَنَّهُ انْتَظَرَ انْتِظَارًا وَاحِدًا، وَتَمَّتْ صَلاَةُ الطَّائِفَةِ الْآخِرَةِ، وَعَلَيْهِ وَعَلَى الطَّائِفَةِ الْآخِرَةِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ وَضَعَ الِانْتِظَارَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ رَكْعَةً، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي السَّفَرِ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَتَشَهَّدَ، فَكَانَ انْتِظَارُهُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ أَكْثَرَ مِنْ انْتِظَارِهِ الطَّائِفَةَ الْأُولَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ قَدْرِ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى}، وَمَا أَشْبَهَهَا فِي الطُّولِ لِلتَّخْفِيفِ فِي الْحَرْبِ، وَثِقَلِ السِّلاَحِ، وَلَوْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ قَدْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ، وَإِذَا قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ خَلْفَهُ يَقْضُونَ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ طَوِيلَةٍ، وَإِنْ أَحَبَّ جَمَعَ سُوَرًا حَتَّى يَقْضِيَ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتَهُمْ تَفْتَتِحُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى خَلْفَهُ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ افْتِتَاحِهِمْ أَقَلَّ ذَلِكَ قَدْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَحْتَاطُ إذَا كَانَ مِمَّا لاَ يُجْهَرُ فِيهِ لِيَقْرَءُوا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَوْ زَادَ فِي قِرَاءَتِهِ لِيَزِيدُوا عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَافْتَتَحُوا مَعَهُ وَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا كَمَا أَجْزَأَهُ، وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ وَكَانُوا كَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي أَوَّلِ صَلاَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَقْنُتُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ، وَلاَ يَقْنُتُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ قُنُوتَهُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ فَعَلَ فَجَائِزٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَنَتَ فِي الصَّلَوَاتُ عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ صَارَتْ الرَّكْعَةُ الْآخِرَةُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ أَطْوَلَ مِنْ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ؟ قِيلَ بِدَلاَلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفْرِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ صَلاَةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَيْسَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ خِلاَفِ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا جَهْلُ مَنْ سَأَلَ عَنْهَا أَوْ تَجَاهُلُهُ وَخِلاَفُ جَمِيعِ صَلاَةِ الْخَوْفِ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَكْثَرُ مِنْ خِلاَفِ رَكْعَةٍ مِنْهَا لِرَكْعَةٍ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: السَّهْوُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ وَالشَّكُّ كَسَهْوٍ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ فِي غَيْرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ فَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى انْبَغَى أَنْ يُشِيرَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ مَا يَفْهَمُونَ بِهِ أَنَّهُ سَهَا فَإِذَا قَضَوْا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ، وَتَشَهَّدُوا سَجَدُوا لِسَهْوِ الْإِمَامِ، وَسَلَّمُوا، وَانْصَرَفُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَغْفَلَ الْإِشَارَةَ إلَيْهِمْ وَعَلِمُوا سَهْوَهُ، وَسَجَدُوا لِسَهْوِهِ، وَإِنْ أَغْفَلَهَا، وَلَمْ يَعْلَمُوا فَانْصَرَفُوا ثُمَّ عَلِمُوا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا عَادُوا فَسَجَدُوا، وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ لَمْ يَعُودُوا لِلسُّجُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى صَفُّوا، وَجَاءَ الْعَدُوُّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لِيُصَلُّوا فَقَدْ بَعُدَ ذَلِكَ، وَأَحْدَثُوا عَمَلاً بَعْدَ الصَّلاَةِ بِصَفِّهِمْ، وَصَارُوا حَرَسًا لِغَيْرِهِمْ فَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَخْلُوا بِغَيْرِهِمْ، وَمَنْ قَالَ: يُعِيدُ مَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ، أَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلاَ أَرَى بَيِّنًا أَنَّ وَاجِبًا عَلَى أَحَدٍ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ أَنْ يَعُودَ لِلصَّلاَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ سَهْوًا ثُمَّ سَهَا بَعْدَهُ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَجْزَأَتْهُمْ سَجْدَتَانِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ تَرَكُوهُمَا عَامِدِينَ أَوْ جَاهِلِينَ لَمْ يَبِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُ الْإِمَامُ وَسَهَوْا هُمْ بَعْدَ الْإِمَامِ سَجَدُوا لِسَهْوِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ صَلَّتْ الطَّائِفَةُ الْآخِرَةُ سَجَدُوا مَعَهُ لِلسَّهْوِ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ قَامُوا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ عَادُوا، وَسَجَدُوا عِنْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الصَّلاَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَرِهْت ذَلِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَبِينُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إمَامٍ، وَلاَ مَأْمُومٍ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَتَرَك سُجُودَ السَّهْوِ مَا كَانَ السَّهْوُ نَقْصًا مِنْ الصَّلاَةِ، وَزِيَادَةً فِيهَا إعَادَةُ صَلاَةٍ لِأَنَّا قَدْ عَقَلْنَا أَنَّ فَرْضَ عَدَدِ سُجُودِ الصَّلاَةِ مَعْلُومٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُ السَّهْوِ مَعَهُ كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقَوْلُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ سَوَاءٌ، يَجِبُ فِي بَعْضِهِ مَا يَجِبُ فِي كُلِّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْخَوْفُ الْأَدْنَى، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ} الْآيَةُ، وَالثَّانِي الْخَوْفُ الَّذِي أَشَدُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} فَلَمَّا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِ الْحَالَيْنِ فِيهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْخَوْفِ الْأَوَّلِ صَلاَةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلاَةً لاَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ الصَّلاَةِ لاَ يَعْمَلُونَهُ فِي صَلاَةَ غَيْرِ الْخَوْفِ فَإِنْ عَمِلُوا غَيْرَ الصَّلاَةِ مَا يُفْسِدُ صَلاَةً غَيْرَ صَلاَةِ الْخَوْفِ لَوْ عَمِلُوهُ فَسَدَتْ عَلَيْهِمْ صَلاَتُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا، وَقَامُوا يُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ أَوْ حَدَثَ لَهُمْ حَرْبٌ فَحَمَلُوا عَلَى الْعَدُوِّ مُنْحَرِفِينَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِأَبْدَانِهِمْ ثُمَّ أَمِنُوا الْعَدُوَّ بَعْدَ فَقَدْ قَطَعُوا صَلاَتَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ اسْتِئْنَافُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَزِعُوا فَانْحَرَفُوا عَنْ الْقِبْلَةِ لِغَيْرِ قِتَالٍ، وَلاَ خُرُوجَ مِنْ الصَّلاَةِ، وَهُمْ ذَاكِرُونَ لِأَنَّهُمْ فِي صَلاَةٍ حَتَّى يَسْتَدْبِرُوا الْقِبْلَةَ اسْتَأْنَفُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ مُوَاجِهِي الْقِبْلَةَ قَدْرَ خُطْوَةٍ فَأَكْثَرَ كَانَ قَطْعًا لِلصَّلاَةِ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ فِيهَا وَعَمَلِ الْخُطْوَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ فَتَهَيَّئُوا بِسِلاَحٍ أَوْ بِتُرْسٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَانَ قَطْعًا لِلصَّلاَةِ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْعَمَلِ فِي دَفْعِ الْعَدُوِّ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَخَافُوا فَنَوَوْا الثُّبُوتَ فِي الصَّلاَةِ، وَأَنْ لاَ يُقَاتِلُوا حَتَّى يُكْمِلُوا أَوْ يُغْشَوْا أَوْ تَهَيَّئُوا بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَطْعًا لِلصَّلاَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحْدِثُوا نِيَّةً لِقِتَالٍ مَعَ التَّهَيُّؤِ، وَالتَّهَيُّؤُ خَفِيفٌ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ يَكُونُ قَطْعًا لَهَا، وَإِنَّمَا نَوَوْا إنْ كَانَ قِتَالٌ أَنْ يُحْدِثُوا قِتَالاً لاَ أَنَّ قِتَالاً حَضَرَ، وَلاَ خَافُوهُ فَنَوَوْهُ مَكَانَهُمْ، وَعَمِلُوا مَعَ نِيَّتِهِ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ عَدُوًّا حَضَرَ فَتَكَلَّمَ أَحَدُهُمْ بِحُضُورِهِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِأَنَّهُ فِي صَلاَةٍ كَانَ قَاطِعًا لِصَلاَتِهِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّلاَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَحْدَثُوا عِنْدَ حَادِثٍ أَوْ غَيْرِهِ نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلاَةِ أَوْ نِيَّةَ الْقِتَالِ مَكَانَهُمْ كَانُوا قَاطِعِينَ لِلصَّلاَةِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى نِيَّةِ الصَّلاَةِ ثُمَّ يَنْوُونَ إنْ حَدَثَ إطْلاَلُ عَدُوٍّ أَنْ يُقَاتِلُوهُ فَلاَ يَحْدُثُ إطْلاَلُهُ فَلاَ يَكُونُ هَذَا قَطْعًا لِلصَّلاَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَيُّهُمْ أَحْدَثَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْتُهُ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ دُونَ غَيْرِهِ كَانَ قَاطِعًا لِلصَّلاَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يُحْدِثْهُ فَإِنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ، وَمَنْ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَمَا أَحْدَثَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا أَحْدَثَ وَلَمْ تَفْسُدْ صَلاَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَدَّمُوا إمَامًا غَيْرَهُ فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ فِي كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَصَلاَةُ الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا رِجَالاً وَرُكْبَانًا، مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الصَّلاَةِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةُ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُمْ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعْنَا ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ فَلَمَّا رَفَعُوا سَجَدَ الْآخَرُونَ مَكَانَهُمْ ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلاَةُ الْخَوْفِ نَحْوٌ مِمَّا يَصْنَعُ أُمَرَاؤُكُمْ. يَعْنِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَكَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةَ وَالْعَدُوَّ صَحْرَاءُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوَارِي الْعَدُوَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْعَدُوُّ مِائَتَيْنِ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ طَلِيعَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ لَهُمْ غَيْرُ خَائِفٍ لِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ، وَقِلَّةِ الْعَدُوِّ فَكَانُوا لَوْ حَمَلُوا أَوْ تَحَرَّفُوا لِلْحَمْلِ لَمْ يَخَفْ تَحَرُّفَهُمْ عَلَيْهِ، وَكَانُوا مِنْهُ بَعِيدًا لاَ يَغِيبُونَ عَنْ طَرْفِهِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ هَذَا مُجْتَمَعًا صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ هَكَذَا، وَهُوَ أَنْ يَصُفَّ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ فَيُكَبِّرُ، وَيُكَبِّرُونَ مَعًا، وَيَرْكَعُ، وَيَرْكَعُونَ مَعًا ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَرْفَعُونَ مَعًا ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَسْجُدُونَ مَعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَنْظُرُونَ الْعَدُوَّ لاَ يَحْمِلُ أَوْ يَنْحَرِفُ إلَى طَرِيقٍ يَغِيبُ عَنْهُ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَإِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ، وَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ مِنْ سُجُودِهِمْ كُلِّهِ وَنَهَضُوا سَجَدَ الَّذِينَ قَامُوا يَنْظُرُونَ الْإِمَامَ ثُمَّ قَامُوا مَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ، وَرَكَعُوا مَعًا، وَرَفَعَ، وَرَفَعُوا مَعًا، وَسَجَدَ، وَسَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ أَوَّلاً إلَّا صَفًّا يَحْرُسُهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ جَلَسُوا لِلتَّشَهُّدِ فَسَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوا ثُمَّ تَشَهَّدُوا، وَسَلَّمَ الْإِمَامُ، وَمَنْ خَلْفَهُ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ خَافَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ عَلَى الْإِمَامِ فَتَكَلَّمُوا أَعَادُوا الصَّلاَةَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ، وَهُمْ إنْ خَافُوا مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ هَذِهِ الصَّلاَةَ فَاسْتَأْخَرَ الصَّفَّ الَّذِي حَرَسَهُ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي فَحَرَسَهُ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَوَاسِعٌ، وَلَوْ حَرَسَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ رَجَوْت أَنْ تُجْزِئَهُمْ صَلاَتُهُمْ، وَلَوْ أَعَادُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ مَا وَصَفْت مُجْتَمِعًا مِنْ قِلَّةِ الْعَدُوِّ، وَكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا وَصَفْت مِنْ الْبِلاَدِ، فَصَلَّى الْإِمَامُ مِثْلَ صَلاَةِ الْخَوْفِ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَمَنْ مَعَهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يَبِنْ أَنَّ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ إعَادَةً وَلاَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَانْحَرَفَتْ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ فَقَامَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ صَلَّتْ الْأُخْرَى رَكْعَةً ثُمَّ انْحَرَفَتْ فَوَقَفَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ، وَهُمَا ذَاكِرَتَانِ لِأَنَّهُمَا فِي صَلاَةٍ، كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ يُعِيدَا مَعًا لِانْحِرَافِهِمْ عَنْ الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلاَ الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ثُمَّ أَتَمَّتْ صَلاَتَهَا وَفَسَدَتْ صَلاَةُ الْأُولَى الَّتِي انْحَرَفَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُكْمِلَ الصَّلاَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا طَرَحَ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ هَذَا فِيهِ بِحَدِيثٍ غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ جَائِزٌ، وَأَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلاَفِ الْمُبَاحِ فَكَيْفَمَا صَلَّى الْإِمَامُ، وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَا رُوِيَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى أَكْمَلَتْ صَلاَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْحَرِفَ، وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةُ حَتَّى انْحَرَفَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ أَجْزَأَتْ الطَّائِفَةَ الْأُولَى صَلاَتُهَا، وَلَمْ تُجْزِئْ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي انْحَرَفَتْ قَبْلَ أَنْ تُكْمِلَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُجْزِئُ الْإِمَامَ فِي كُلِّ مَا وَصَفْت صَلاَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ حَتَّى أَكْمَلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ كَصَلاَةِ الْخَوْفِ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَانْحَرَفَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الصَّلاَةَ أَوْ صَلَّاهَا صَلاَةَ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَانْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الصَّلاَةَ اسْتَأْنَفَ الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاَةَ الظُّهْرِ صَلاَةَ الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى بِأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخَوْفِ هَكَذَا، أَجْزَأَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا فِي مَعْنَى صَلاَةِ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ ثُمَّ صَلَّاهَا بِقَوْمِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْمَأْمُومِ أَنَّ صَلاَتَهُ لاَ تُفْسَدُ عَلَيْهِ بِأَنْ تُخَالِفَ نِيَّتُهُ نِيَّةَ الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخَوْفِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا، وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمُوا فَصَلاَةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ، وَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا الْإِعَادَةُ إذَا سَلَّمُوا ذَاكِرِينَ لِأَنَّهُمْ فِي صَلاَةٍ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ، وَإِنْ رَأَوْا أَنْ قَدْ أَكْمَلُوا الصَّلاَةَ بَنَى الْآخَرُونَ، وَسَجَدُوا لِلسَّهْوِ، وَأَعَادَ الْأَوَّلُونَ لِأَنَّهُ قَدْ تَطَاوَلَ خُرُوجُهُمْ مِنْ الصَّلاَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلَى الْمَأْمُومِ مِنْ عَدَدِ الصَّلاَةِ مَا عَلَى الْإِمَامِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِيمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ عَدَدِهَا وَلَيْسَ يَثْبُتُ حَدِيثٌ رُوِيَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ بِذِي قَرَدٍ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلاَءِ قَالَ: وَيُصَلِّي صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا صَلَّاهَا فِي السَّفَرِ، وَالْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَرَّقَ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ فَرِيقًا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ وَفَرِيقًا مَعَهُ فَيُصَلِّي بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا فَيَقْرَأُ فَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ، وَيَقْرَأُ الَّذِينَ خَلْفَهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَرْكَعُونَ، وَيَسْجُدُونَ، وَيَتَشَهَّدُونَ، وَيُسَلِّمُونَ مَعًا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَقُومُونَ مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي أُولَئِكَ فَيَدْخُلُونَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُكَبِّرُونَ مَعَ الْإِمَامِ تَكْبِيرَةً يَدْخُلُونَ بِهَا مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ بَعْدَ دُخُولِهِمْ مَعَهُ قَدْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ مِنْ حَيْثُ انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ لاَ يَسْتَأْنِفُ أُمَّ الْقُرْآنِ بِهِمْ، وَيَسْجُدُ، وَيَثْبُتُ جَالِسًا يَتَشَهَّدُ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو، وَيَقُومُونَ هُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَيَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ، وَيَجْلِسُونَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيَزِيدُ الْإِمَامُ فِي الذِّكْرِ بِقَدْرِ مَا أَنْ يَقْضُوا تَشَهُّدَهُمْ ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهِمْ، وَإِنْ صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقُوا بِهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَصَلاَةُ الْمَغْرِبِ، وَالصُّبْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ سَوَاءٌ فَإِنْ صَلَّى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً صَلاَةَ خَوْفٍ فِي حَضَرٍ صَنَعَ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَيَثْبُتُ جَالِسًا حَتَّى يَقْضُوا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا عَلَيْهِمْ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَإِذَا جَاءَتْ فَكَبَّرَتْ نَهَضَ قَائِمًا فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَيْهِ وَجَلَسَ حَتَّى يُتِمُّوا لِيُسَلِّمَ بِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا ثَبَتَ جَالِسًا قِيَاسًا عَلَى مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ صَلاَةُ الْخَوْفِ إلَّا فِي السَّفَرِ فَوَجَدْتُ الْحِكَايَةَ كُلَّهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى أَنْ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا، وَوَجَدْتُ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَمْ تَأْتَمَّ بِهِ خَلْفَهُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ لاَ جُلُوسَ فِيهَا، وَالطَّائِفَةَ الْأُخْرَى ائْتَمَّتْ بِهِ فِي رَكْعَةٍ مَعَهَا جُلُوسٌ فَوَجَدْت الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى مِثْلَ الْأُولَى فِي أَنَّهَا ائْتَمَّتْ بِهِ مَعَهُ فِي رَكْعَةٍ وَزَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَهُ فِي بَعْضِ جُلُوسِهِ فَلَمْ أَجِدْهَا فِي حَالٍ إلَّا مِثْلَ الْأُولَى، وَأَكْبَرَ حَالاً مِنْهَا فَلَوْ كُنْتَ قُلْت: يَتَشَهَّدُ بِالْأُولَى، وَيَثْبُتُ قَائِمًا حَتَّى تُتِمَّ الْأُولَى زَعَمْتَ أَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَ الْإِمَامِ مِثْلَ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَدْرَكَتْ الْأُخْرَى، وَأَكْثَرَ فَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنْ يَثْبُتَ قَاعِدًا حَتَّى تُدْرِكَهُ الْآخِرَةُ فِي قُعُودِهِ، وَيَكُونَ لَهَا الْقُعُودُ الْآخِرُ مَعَهُ لِتَكُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الْأُولَى فَتُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقِبْلَةِ صَلَّى هَكَذَا أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ خَوْفٍ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ أَمَانٍ مِنْهُ بِقِلَّةِ الْعَدُوِّ، وَكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنَّهُمْ فِي صَحْرَاءَ لاَ حَائِلَ دُونَهَا، وَلَيْسُوا حَيْثُ يَنَالُهُمْ النَّبْلُ وَلاَ الْحُسَامُ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِمْ حَرَكَةُ الْعَدُوِّ صَفُّوا جَمِيعًا خَلْفَ الْإِمَامِ، وَدَخَلُوا فِي صَلاَتِهِ، وَرَكَعُوا بِرُكُوعِهِ، وَرَفَعُوا بِرَفْعِهِ، وَثَبَتَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ قَائِمًا، وَيَسْجُدُ وَيَسْجُدُ مَنْ بَقِيَ فَإِذَا قَامَ مِنْ سُجُودِهِ تَبِعَهُ الَّذِينَ خَلْفَهُ بِالسُّجُودِ ثُمَّ قَامُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا حَكَى أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ عُسْفَانَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَهَكَذَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ مَا يَصْنَعُ أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاَءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا يَصْنَعُ الْأُمَرَاءُ إلَّا الَّذِينَ يَقِفُونَ فَلاَ يَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ دُونَ مَنْ نَأَى عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِلطَّائِفَةِ الْحَارِسَةِ إنْ رَأَتْ مِنْ الْعَدُوِّ حَرَكَةً لِلْقِتَالِ أَنْ تَرْفَعَ أَصْوَاتَهَا لِيَسْمَعَ الْإِمَامُ، وَإِنْ حوملت أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهَا وَيَقِفَ بَعْضٌ يَحْرُسُ الْإِمَامَ. وَإِنْ رَأَتْ كَمِينًا مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا أَنْ يَنْحَرِفَ بَعْضُهَا إلَيْهِ، وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَيُخَفِّفُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَالْجُلُوسَ فِي تَمَامٍ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ أَوْ رُهِقَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِتَالِ، وَقَطَعَ الصَّلاَةَ هَلْ يَقْضِيهَا بَعْدَهُ، وَالسَّهْوُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ كَهُوَ فِي غَيْرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى إذَا اسْتَيْقَنَتْ أَنَّ الْإِمَامَ سَهَا فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي أَمَّهَا فِيهَا سَجَدَتْ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ سَلاَمِهَا، وَلَيْسَ سَبْقُهُمْ إيَّاهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْقِهِمْ إيَّاهُ بِرَكْعَةٍ مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ أَخَّرَ سُجُودَهُ حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ بِتَشَهُّدِهَا ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ مَعَهُ، وَلَوْ ذَهَبَ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنَّهُ سَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ خَافَ الْإِمَامُ أَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِمْ لِيَسْجُدُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَفَعَلُوا فَسَجَدُوا حَتَّى انْصَرَفُوا أَوْ انْصَرَفَ هُوَ فَلاَ إعَادَةَ، وَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ مَوْضِعُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ إلَّا بِأَنْ يُعَايِنَ عَدُوًّا قَرِيبًا غَيْرَ مَأْمُونٍ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ يَتَخَوَّفُ حَمْلَهُ عَلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ أَوْ يَأْتِيهِ مَنْ يَصْدُقُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْهُ أَوْ مَسِيرِهِمْ جَادِّينَ إلَيْهِ فَيَكُونُونَ هُمْ مُخَوَّفِينَ فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ الْعَدُوِّ فَصَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ ثُمَّ ذَهَبَ الْعَدُوُّ لَمْ يُعِدْ صَلاَةَ الْخَوْفِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَإِنْ كَانَ فِي حِصْنٍ لاَ يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِتَعَبٍ أَوْ غَلَبَةٍ عَلَى بَابٍ أَوْ كَانَ فِي خَنْدَقٍ عَمِيقٍ عَرِيضٍ لاَ يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِدَفْنٍ يَطُولُ لَمْ يُصَلِّ صَلاَةَ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ حَصِينَةٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مُمْتَنِعَةٍ مِنْ الدُّخُولِ أَوْ خَنْدَقٍ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ صَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ رَأَوْا سَوَادًا مُقْبِلاً، وَهُمْ بِبِلاَدِ عَدُوٍّ أَوْ بِغَيْرِ بِلاَدِ عَدُوٍّ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْخَوْفِ، وَكُلُّ حَالٍ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يُصَلُّوا فِيهِ صَلاَةَ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْخَوْفُ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ أَمَرْت الْإِمَامَ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ فَيُكْمِلَ كَمَا يُصَلِّي فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَتَحْرُسُهُ أُخْرَى فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ حَرَسَ، وَمَنْ مَعَهُ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى، وَأَمَرَ بَعْضَهُمْ فَأَمَّهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا آمُرُ الْمُسَلَّحَةَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ تَنَاظُرًا لِمُسَلَّحَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ تَصْنَعَ إذَا تَرَاخَى مَا بَيْنَ الْمُسَلَّحَتَيْنِ شَيْئًا، وَكَانَتْ الْمُسَلَّحَتَانِ فِي غَيْرِ حِصْنٍ أَوْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَنَاظَرُونَ بِنَاظِرِ الرَّبِيئَةِ لاَ يَتَحَامَلُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ صَلَّوْا صَلاَةَ الْخَوْفِ كَصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِي حَالٍ كَرِهْت لَهُمْ فِيهَا صَلاَةَ الْخَوْفِ أَحْبَبْت لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنْ يُعِيدُوا وَلَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، وَلاَ لِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى إعَادَةَ صَلاَةٍ لِأَنَّهَا قَدْ صَلَّتْ بِسَبَبٍ مِنْ خَوْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفًا، وَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُصَلِّي فِي غَيْرِ خَوْفٍ بَعْضَ صَلاَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَبَعْضَهَا مُنْفَرِدًا فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إعَادَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى مَا رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا ثُمَّ كَانَ غَيْرَ عَدُوٍّ، وَقَدْ صَلَّى كَصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لَمْ يُعِدْ الْإِمَامُ، وَلاَ وَاحِدَةٌ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ مِنْهُمَا لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ حَتَّى أُكْمِلَتْ الصَّلاَةُ، وَقَدْ صُلِّيَتْ بِسَبَبِ خَوْفٍ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى كَصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ، وَإِنْ صَلَّى كَصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ أَحْبَبْت لِلْحَارِسَةِ أَنْ تُعِيدَ، وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلاَ يُعِيدُ الْإِمَامُ، وَلاَ الَّتِي لَمْ تَحْرُسْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا تَقِلُّ الْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَيْنَا أَنَّا لاَ نَأْمُرُ بِصَلاَةِ خَوْفٍ بِحَالٍ إلَّا فِي غَايَةٍ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ إلَّا صَلاَةً لَوْ صُلِّيَتْ فِي غَيْرِ خَوْفٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ عَلَى مُصَلِّيهَا إعَادَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ طَائِفَةٌ، وَالطَّائِفَةُ ثَلاَثَةٌ فَأَكْثَرُ أَوْ حَرَسَتْهُ طَائِفَةٌ، وَالطَّائِفَةُ ثَلاَثَةٌ فَأَكْثَرُ، لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَحْرُسَهُ مَنْ يَمْنَعُ مِثْلَهُ إنْ أُرِيدَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كَثُرَ مَنْ مَعَهُ أَوْ قَلَّ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ حَارِسِينَ، وَمُصَلِّينَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ مِمَّنْ تَجْزِي حِرَاسَتُهُ، وَيَسْتَظْهِرُ شَيْئًا مِنْ اسْتِظْهَارِهِ، وَسَوَاءٌ قَلَّ مَنْ مَعَهُ فِيمَنْ يُصَلِّي، وَكَثُرَ مِمَّنْ يَحْرُسُهُ أَوْ قَلَّ مَنْ يَحْرُسُهُ وَكَثُرَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ فِي أَنَّ صَلاَتَهُمْ مُجْزِئَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَلاَثَةٌ فَأَكْثَرُ حَرَسَهُ ثَلاَثَةٌ فَإِنْ حَرَسَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ أَقَلَّ اسْمِ الطَّائِفَةِ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ فَلاَ إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أَجْزَأَ الطَّائِفَةَ أَجْزَأَ الْوَاحِدَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} الْآيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَأْخُذَ سِلاَحَهُ فِي الصَّلاَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي سِلاَحِهِ نَجَاسَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ وَضَعَهُ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ، وَفِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تَجُزْ صَلاَتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَأْخُذُ مِنْ سِلاَحِهِ مَا لاَ يَمْنَعُهُ الصَّلاَةَ، وَلاَ يُؤْذِي الصَّفَّ أَمَامَهُ وَخَلْفَهُ، وَذَلِكَ السَّيْفُ وَالْقَوْسُ، وَالْجَعْبَةُ، وَالْجَفِيرُ، وَالتُّرْسُ، وَالْمِنْطَقَةُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَأْخُذُ الرُّمْحَ فَإِنَّهُ يَطُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَاشِيَةٍ لَيْسَ إلَى جَنْبِهِ أَحَدٌ فَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنَحِّيَهُ حَتَّى لاَ يُؤْذِيَ بِهِ مَنْ أَمَامَهُ، وَلاَ مَنْ خَلْفَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لاَ يَلْبَسُ مِنْ السِّلاَحِ مَا يَمْنَعُهُ التَّحَرُّفَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِثْلُ السِّنَّوْرِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُجِيزُ لَهُ، وَضْعَ السِّلاَحِ كُلِّهِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ حَمْلُ السِّلاَحِ أَوْ يَكُونَ بِهِ أَذًى مِنْ مَطَرٍ فَإِنَّهُمَا الْحَالَتَانِ اللَّتَانِ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمَا بِوَضْعِ السِّلاَحِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلاَ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ، وَلاَ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَحْبَبْت أَنْ لاَ يَضَعَ مِنْ السِّلاَحِ إلَّا مَا وَصَفْت مِمَّا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَرُّفِ فِي الصَّلاَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ ثِقَلِهِ فَإِنْ، وَضَعَ بَعْضَهُ، وَبَقِيَ بَعْضٌ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا لَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ سِلاَحِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بَعْضَ سِلاَحِهِ فَهُوَ مُتَسَلِّحٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ، وَضَعَ سِلاَحَهُ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، وَلاَ مَطَرٍ أَوْ أَخَذَ مِنْ سِلاَحِهِ مَا يُؤْذِي بِهِ مَنْ يُقَارِبُهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ فِي كُلِّ، وَاحِدٍ مِنْ الْحَالَيْنِ، وَلَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ صَلاَتَهُ فِي، وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ لِأَنَّ مَعْصِيَتَهُ فِي تَرْكِ وَأَخْذِ السِّلاَحِ لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ فَيُقَالُ يُفْسِدُ صَلاَتَهُ، وَلاَ يُتِمُّهَا أَخْذُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أَصَابَ السَّيْفَ الدَّمُ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ مِنْهُ لَمْ يَتَقَلَّدْهُ فِي الصَّلاَةِ وَكَذَلِكَ نِصَالُ النَّبْلِ، وَزُجُّ الرُّمْحِ، وَالْبَيْضَةِ وَجَمِيعُ الْحَدِيدِ إذَا أَصَابَهُ الدَّمُ فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ أَعَادَ الصَّلاَةَ، وَلاَ يُطَهِّرُ الدَّمَ وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْأَنْجَاسِ إلَّا الْمَاءُ عَلَى حَدِيدٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ غَسَلَهُ بِدُهْنٍ لِئَلَّا يَصْدَأَ الْحَدِيدُ أَوْ مَاءٍ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ أَوْ مَسَحَهُ بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ، وَكَذَلِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَدَاتِهِ لاَ يُطَهِّرُهَا، وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْأَنْجَاسِ إلَّا الْمَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَ فَأَصَابَ سَيْفَهُ فَرْثٌ أَوْ قَيْحٌ أَوْ غَيْرُهُ كَانَ هَكَذَا الْآنَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ شَكَّ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَدَاتِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ لَمْ تُصِبْهُ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَقَّى حَمْلَ مَا شَكَّ فِيهِ لِلصَّلاَةِ فَإِنْ حَمَلَهُ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ فَإِذَا عَلِمَ، وَقَدْ صَلَّى فِيهِ أَعَادَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَا حَمَلَهُ مُتَقَلِّدُهُ أَوْ مُتَنَكِّبُهُ أَوْ طَارِحُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ أَوْ مُمْسِكُهُ بِيَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا فَسَوَاءٌ كُلُّهُ هُوَ كَمَا كَانَ لاَبِسُهُ لاَ يُجْزِيهِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ تُصِبْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ تَكُونَ أَصَابَتْهُ فَطَهُرَ بِالْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نُشَّابٌ أَوْ نَبْلٌ قَدْ أُمِرَّ عَلَيْهَا عَرَقُ دَابَّةٍ أَيُّ دَابَّةٍ كَانَتْ غَيْرَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ أَوْ لُعَابُهَا أَوْ أُحْمِيَتْ فَسُقِيَتْ لَبَنًا أَوْ سُمَّتْ بِسُمِّ شَجَرٍ فَصَلَّى فِيهَا فَلاَ بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْأَنْجَاسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ سُمَّ بِسُمِّ حَيَّةٍ أَوْ وَدَكِ دَابَّةٍ لاَ تُؤْكَلُ أَوْ بِوَدَكِ مِيتَةٍ فَصَلَّى فِيهِ أَعَادَ الصَّلاَةَ إلَّا أَنْ يَطْهُرَ بِالْمَاءِ وَسَوَاءٌ أُحْمِيَ السَّيْفُ أَوْ أَيُّ حَدِيدَةٍ حُمِيت فِي النَّارِ ثُمَّ سُمَّ أَوْ سُمَّ بِلاَ إحْمَاءٍ إذَا خَالَطَهُ النَّجَسُ مَحْمِيٌّ أَوْ غَيْرُ مَحْمِيٍّ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا الْمَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ سُمَّتْ، وَلَمْ تُحْمَ ثُمَّ أُحْمِيَتْ بِالنَّارِ فَقِيلَ قَدْ ذَابَ كُلُّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَكَلَتْهُ النَّارُ، وَكَانَ السُّمُّ نَجِسًا لَمْ تُطَهِّرْهُ النَّارُ، وَلاَ يُطَهِّرُهُ شَيْءٌ إلَّا الْمَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أُحْمِيَ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَجِسٌ أَوْ غُمِسَ فِيهِ فَقِيلَ قَدْ شَرِبَتْهُ الْحَدِيدَةُ ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ لِأَنَّ الطُّهَارَاتِ كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَيْسَ عَلَى الْأَجْوَافِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَزِيدُ إحْمَاءُ الْحَدِيدَةِ فِي تَطْهِيرِهَا، وَلاَ تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّارِ طُهُورٌ إنَّمَا الطُّهُورُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لاَ يَجِدُ فِيهِ مَاءً فَمَسَحَهُ بِالتُّرَابِ لَمْ يُطَهِّرْهُ التُّرَابُ لِأَنَّ التُّرَابَ لاَ يُطَهِّرُ الْأَنْجَاسَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الْبَيْضَةُ ذَاتَ أَنْفٍ أَوْ سَابِغَةٍ عَلَى رَأْسِ الْخَائِفِ كَرِهْت لَهُ فِي الصَّلاَةِ لُبْسَهَا لِئَلَّا يَحُولَ مَوْضِعُ السُّبُوغِ أَوْ الْأَنْفِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ إكْمَالِ السُّجُودِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهَا، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا أَوْ حَرَّفَهَا أَوْ حَسَرَهَا إذَا مَاسَّتْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ مُتَمَكِّنًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا الْمِغْفَرُ وَالْعِمَامَةُ، وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُغَطِّي مَوْضِعَ السُّجُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَاسَّ شَيْءٌ مِنْ مُسْتَوَى جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ بِهِ السُّجُودُ، وَإِنْ كَرِهْت لَهُ أَنْ يَدَعَ أَنْ يَمَاسَّ بِجَبْهَتِهِ كُلِّهَا، وَأَنْفِهِ الْأَرْضَ سَاجِدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كَفَّيْهِ مِنْ السِّلاَحِ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ تُبَاشِرَ كَفَّاهُ الْأَرْضَ، وَأُحِبُّ إنْ فَعَلَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً، وَلاَ أَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ فِي رُكْبَتَيْهِ، وَلاَ أَكْرَهُ لَهُ مِنْهُ فِي قَدَمَيْهِ مَا أَكْرَهُ لَهُ فِي كَفَّيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ سَلَبَ مُشْرِكًا سِلاَحًا، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى الْمُشْرِكَ يَمَسُّ سِلاَحَهُ بِنَجَسٍ مَا كَانَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِرُؤْيَةٍ، وَلاَ خَبَرٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ السِّلاَحِ نَجَاسَةً، وَلَوْ غَسَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَوْ تَوَقَّى الصَّلاَةَ فِيهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ تَوَقَّى الْمُحَارِبُ أَنْ يَلْبَسَ دِيبَاجًا أَوْ قَزًّا ظَاهِرًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ لَبِسَهُ لِيُحْصِنَهُ فَلاَ بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَدْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْحَرْبِ فِيمَا يَحْظُرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَرِيرُ، وَالْقَزُّ، لَيْسَ مِنْ الْأَنْجَاسِ إنَّمَا كُرِهَ تَعَبُّدًا، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ رَجُلٌ فِي غَيْرِ حَرْبٍ لَمْ يُعِدْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي نَسْجِ الثَّوْبِ الَّذِي لاَ يُحْصِنُ قَزٌّ، وَقُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ فَكَانَ الْقُطْنُ الْغَالِبَ لَمْ أَكْرَهْ لِمُصَلٍّ خَائِفٍ، وَلاَ غَيْرِهِ لُبْسَهُ فَإِنْ كَانَ الْقَزُّ ظَاهِرًا كَرِهْت لِكُلِّ مُصَلٍّ مُحَارِبٍ وَغَيْرِهِ لُبْسَهُ، وَإِنَّمَا كَرِهْتُهُ لِلْمُحَارِبِ لِأَنَّهُ لاَ يُحْصِنُ إحْصَانَ ثِيَابِ الْقَزِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَبِسَ رَجُلٌ قَبَاءً مَحْشُوًّا قَزًّا، فَلاَ بَأْسَ لِأَنَّ الْحَشْوَ بَاطِنٌ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ إظْهَارَ الْقَزِّ لِلرِّجَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ دِرْعٌ حَدِيدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ نَسْجِهَا ذَهَبٌ أَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ذَهَبًا كَرِهْت لَهُ لُبْسَهَا إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهَا لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجِدُ بِثَمَنِهَا دُرُوعَ حَدِيدٍ، وَالْحَدِيدُ أَحْصَنُ، وَلَيْسَ فِي لُبْسِهِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ فَاجَأَتْهُ حَرْبٌ، وَهِيَ عِنْدَهُ فَلاَ أَكْرَهُ لَهُ لُبْسَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ فِي سَيْفِهِ حِلْيَةُ ذَهَبٍ كَرِهْت لَهُ أَنْ لاَ يَنْزِعَهَا فَإِنْ فَجَأَتْهُ حَرْبٌ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَتَقَلَّدَهُ فَإِذَا انْقَضَتْ أَحْبَبْت لَهُ نَقْضَهُ، وَهَكَذَا هَذَا فِي تُرْسِهِ، وَجَمِيعِ جُنَّتِهِ حَتَّى قَبَائِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ أَزْرَارُ ذَهَبٍ أَوْ زِرُّ ذَهَبٍ كَرِهْتُهُ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ مِنْطَقَتُهُ، وَحَمَائِلُ سَيْفِهِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ جُنَّةٌ أَوْ صَلاَحُ جُنَّةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ خَاتَمُهُ ذَهَبًا لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ فِي حَرْبٍ، وَلاَ سِلْمٍ بِحَالٍ لِأَنَّ الذَّهَبَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْخَاتَمِ جُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَيْثُ كَرِهْت لَهُ الذَّهَبَ مُصْمَتًا فِي حَرْبٍ، وَغَيْرِهَا كَرِهْت الذَّهَبَ مُمَوَّهًا بِهِ، وَكَرِهْتُهُ مُخَوَّصًا بِغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَظْهَرُ لِلذَّهَبِ لَوْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلذَّهَبِ لَوْنٌ فَهُوَ مُسْتَهْلَكٌ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُلْبَسَ، وَلاَ أَرَى حَرَجًا فِي أَنْ يَلْبَسَهُ. كَمَا قُلْت فِي حَشْوِ الْقَزِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لاَ لِلتَّحْرِيمِ، وَلاَ أَكْرَهُ لُبْسَ يَاقُوتٍ، وَلاَ زَبَرْجَدٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ أَوْ الْخُيَلاَءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَكْرَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ بَلاَءً أَنْ يَعْلَمَ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَلاَ أَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ، وَلاَ الْفَرَسَ، وَلاَ الدَّابَّةَ الْمَشْهُورَةَ قَدْ أَعْلَمَ حَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلاَ أَكْرَهُ الْبِرَازَ قَدْ بَارَزَ عُبَيْدَةَ، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَلْبَسُ فِي الْحَرْبِ جِلْدَ الثَّعْلَبِ، وَالضَّبُعِ إذَا كَانَا ذَكِيَّيْنِ وَعَلَيْهِمَا شُعُورُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُونَا ذَكِيَّيْنِ، وَدُبِغَا لَبِسَهُمَا إنْ سُمِطَتْ شُعُورُهُمَا عَنْهُمَا، وَيُصَلِّي فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ نَسْمُطْ شُعُورَهُمَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِمَا لِأَنَّ الدَّبَّاغَ لاَ يُطَهِّرُ الشَّعْرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا يَلْبَسُ جِلْدَ كُلِّ مُذَكًّى يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَلاَ يَلْبَسُ جِلْدَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَكِيًّا إلَّا مَدْبُوغًا لاَ شَعْرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْبَسَهُ، وَلاَ يُصَلِّي فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لاَ يُصَلِّي فِي جِلْدِ دَابَّةٍ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهَا ذَكِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَكِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَدْبُغَهُ، وَيَمْعَطَ شَعْرَهُ فَأَمَّا لَوْ بَقِيَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ فَلاَ يُصَلِّي فِيهِ، وَلاَ يُصَلِّي فِي جِلْدِ خِنْزِيرٍ وَلاَ كَلْبٍ بِحَالٍ نُزِعَتْ شُعُورُهُمَا، وَدُبِغَا أَوْ لَمْ يُدْبَغَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لاَ يُلْبِسُ الرَّجُلُ فَرَسَهُ شَيْئًا مِنْ آلَتِهِ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِحَالٍ، وَلاَ يَسْتَمْتِعُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ الْكَلْبِ فِي صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُلْبِسَهُ الرَّجُلُ فَرَسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ، وَيَسْتَمْتِعُ بِهِ وَلاَ يُصَلِّي فِيهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ جِلْدِ الْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْحَيَّةِ، وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّهُ جُنَّةٌ لِلْفَرَسِ، وَلاَ تَعَبُّدَ لِلْفَرَسِ وَلاَ نَهْيَ عَنْ إهَابِ جُنَّةٍ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الْخَوْفِ مُمْسِكًا عِنَانَ دَابَّتِهِ فَإِنْ نَازَعَتْهُ فَجَذَبَهَا إلَيْهِ جَذْبَةً أَوْ جَذْبَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَثُرَتْ مُجَاذَبَتُهُ إيَّاهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَدْ قَطَعَ صَلاَتُهُ، وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِنْ جَذَبَتْهُ فَانْصَرَفَ، وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَأَقْبَلَ مَكَانَهُ عَلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تُقْطَعْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ طَالَ انْحِرَافُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَلاَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَدَعَهَا إلَى الْقِبْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَنْحَرِفْ إلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلاَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ذَهَبَتْ دَابَّتُهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتْبَعَهَا، وَإِذَا تَبِعَهَا عَلَى الْقِبْلَةِ شَيْئًا يَسْرًا لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ تَبِعَهَا كَثِيرًا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ تَبِعَهَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، فَسَدَتْ صَلاَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا أَنَّ الْحَالَ الَّتِي أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا أَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ ثُمَّ بِطَائِفَةٍ فَكَانَ بَيِّنًا لِأَنَّهُ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ بِأَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا إلَّا فِي خَوْفٍ أَشَدَّ مِنْ الْخَوْفِ الَّذِي أَمَرَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ ثُمَّ بِطَائِفَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ صَلاَةَ الْخَوْفِ فَسَاقَهَا ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ مَالِكٌ: لاَ أَرَاهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْخَوْفُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يُصَلُّوا رِجَالاً وَرُكْبَانًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إطْلاَلَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ فَيَتَرَاءَوْنَ مَعًا، وَالْمُسْلِمُونَ فِي غَيْرِ حِصْنٍ حَتَّى يَنَالَهُمْ السِّلاَحُ مِنْ الرَّمْيِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَقْرَبَ الْعَدُوُّ فِيهِ مِنْهُمْ مِنْ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، وَالْعَدُوُّ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَالْمُسْلِمُونَ كَثِيرٌ يَسْتَقِلُّ بَعْضُهُمْ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَكُونَ بَعْضٌ فِي شَبِيهٍ بِحَالٍ غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ قَاتَلَتْهُمْ طَائِفَةٌ، وَصَلَّتْ أُخْرَى صَلاَةً غَيْرَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أَوْ مُحِيطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ، وَالْمُسْلِمُونَ كَثِيرٌ تَسْتَقِلُّ كُلُّ طَائِفَةٍ، وَلِيَهَا الْعَدُوُّ بِالْعَدْوِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَيْنِ الطَّوَائِفِ الَّتِي يَلِيهَا الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ صَلَّى هَؤُلاَءِ الَّذِينَ لاَ يَلُونَهُمْ صَلاَةً غَيْرَ شِدَّةِ الْخَوْفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَدَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ صَلَّوْا أَنْ يَدْخُلُوا بَيْنَ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ الطَّوَائِفِ الَّتِي كَانَتْ تَلِي قِتَالَ الْعَدُوِّ حَتَّى يَصِيرَ الَّذِينَ كَانُوا يَلُونَ قِتَالَهُمْ فِي مِثْلِ حَالِ هَؤُلاَءِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ فَعَلُوا، وَلَمْ يَجُزْ الَّذِينَ يَلُونَ قِتَالَهُمْ إلَّا أَنْ يُصَلُّوا صَلاَةً غَيْرَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْأَرْضِ، وَإِلَى الْقِبْلَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا بِالْتِحَامِ الْحَرْبِ أَوْ خَوْفٍ إنْ وَلَّوْا عَنْهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ وَيَرَوْهَا هَزِيمَةً أَوْ هَيْبَةِ الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّتْ بِالدُّخُولِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْعَدُوِّ أَوْ مَنْعِ الْعَدُوِّ ذَلِكَ لَهَا أَوْ تَضَايُقِ مَدْخَلِهِمْ حَتَّى لاَ يُصَلُّوا إلَى أَنْ يَكُونُوا حَائِلِينَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْعَدُوِّ كَانَ لِلطَّائِفَةِ الَّتِي تَلِيهِمْ أَنْ يُصَلُّوا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، وَقُعُودًا عَلَى دَوَابِّهِمْ مَا كَانَتْ دَوَابُّهُمْ، وَعَلَى الْأَرْضِ قِيَامًا يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ إيمَاءً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ بِبَعْضِ صَلاَتِهِمْ ثُمَّ دَارَ الْعَدُوُّ عَنْ الْقِبْلَةِ دَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلاَتَهُمْ إذَا جُعِلَتْ صَلاَتُهُمْ كُلُّهَا مُجْزِئَةً عَنْهُمْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ جَعَلْتهَا مُجْزِئَةً إذَا كَانَ بَعْضُهَا كَذَلِكَ، وَبَعْضُهَا أَقَلَّ مِنْ كُلِّهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا تُجْزِئُهُمْ صَلاَتُهُمْ هَكَذَا إذَا كَانُوا غَيْرَ عَامِلِينَ فِيهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ، وَذَلِكَ الِاسْتِدَارَةُ، وَالتَّحَرُّفُ وَالْمَشْيُ الْقَلِيلُ إلَى الْعَدُوِّ، وَالْمَقَامُ يَقُومُونَهُ فَإِذَا فَعَلُوا هَذَا أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ فَتَرَّسُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَوْ دَنَا بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ فَضَرَبَ أَحَدُهُمْ الضَّرْبَةَ بِسِلاَحِهِ أَوْ طَعَنَ الطَّعْنَةَ أَوْ دَفَعَ الْعَدُوَّ بِالشَّيْءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَتْهُ لِلْعَدُوِّ غِرَّةٌ، وَمِنْهُ فُرْصَةٌ فَتَنَاوَلَهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ طَعْنَةٍ، وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ فَأَمَّا إنْ تَابَعَ الضَّرْبَ أَوْ الطَّعْنَ أَوْ طَعَنَ طَعْنَةً فَرَدَّدَهَا فِي الْمَطْعُونِ أَوْ عَمَل مَا يَطُولُ فَلاَ يَجْزِيهِ صَلاَتُهُ، وَيَمْضِي فِيهَا، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا لاَ يَعْمَلُ فِيهَا مَا يَقْطَعُهَا، أَعَادَهَا، وَلاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَدَعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا خَافَ ذَهَابَ وَقْتِهَا، وَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا عَمَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ كَلِمَةً يُحَذِّرُ بِهَا مُسْلِمًا أَوْ يَسْتَرْهِبُ بِهَا عَدُوًّا وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ فِي صَلاَتِهِ فَقَدْ انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَتَى أَمْكَنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ صَلاَةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهَا مَا يُفْسِدُهَا أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ صَلاَةُ غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَّاهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ غَيْرُ صَلاَةِ الْخَوْفِ صَلَّاهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَلِبْ وَجْهُهُ عَنْ جِهَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ لِأَنَّ النُّزُولَ خَفِيفٌ وَإِنْ انْقَلَبَ وَجْهُهُ عَنْ جِهَتِهِ حَتَّى تَوَلَّى جِهَةَ قَفَاهُ أَعَادَ لِأَنَّهُ تَارِكٌ قِبْلَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ طَرَحَتْهُ دَابَّةٌ أَوْ رِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَمْ يُعِدْ إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ مَكَانَهُ حِينَ أَمْكَنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ نَازِلاً فَرَكِبَ فَقَدْ انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ أَكْثَرُ مِنْ النُّزُولِ، وَالنَّازِلُ إلَى الْأَرْضِ أَوْلَى بِتَمَامِ الصَّلاَةِ مِنْ الرَّاكِب. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلاَةِ إلَّا مُقَاتِلاً صَلَّى وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا، وَهُوَ مُقَاتِلٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ صَلَّى صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ الْأُولَى، بَنَى عَلَى صَلاَةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَلَمْ يَجْزِهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ الْأُولَى كَمَا إذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الْقِيَامُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّوْا رِجَالاً وَرُكْبَانًا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ لَمْ يَتَقَدَّمُوا فَإِنْ احْتَاجُوا إلَى التَّقَدُّمِ لِخَوْفٍ تَقَدَّمُوا رُكْبَانًا وَمُشَاةٍ، وَكَانُوا فِي صَلاَتِهِمْ بِحَالِهِمْ، وَإِنْ تَقَدَّمُوا بِلاَ حَاجَةٍ، وَلاَ خَوْفٍ فَكَانَ كَتَقَدُّمِ الْمُصَلِّي إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ يُصَلِّي فِيهِ فَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ ابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ، وَكَانَ هَذَا كَالْإِفْسَادِ لِلصَّلاَةِ، وَهَكَذَا إذَا احْتَاجُوا إلَى رُكُوبٍ رَكِبُوا، وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ وَرَكِبُوا ابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ، وَلَوْ كَانُوا رُكْبَانًا فَنَزَلُوا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِيُصَلُّوا بِالْأَرْضِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُمْ لِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ خَفِيفٌ، وَصَلاَتُهُمْ بِالْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صَلاَتِهِمْ رُكْبَانًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ كَامِنَةً لِلْعَدُوِّ أَوْ مُتَوَارِيَةً عَنْهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ خَنْدَقًا أَوْ بِنَاءً أَوْ سَوَادَ لَيْلٍ فَخَافُوا إنْ قَامُوا لِلصَّلاَةِ رَآهُمْ الْعَدُوُّ، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً مُمْتَنِعِينَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَّا قِيَامًا كَيْفَ أَمْكَنَتْهُمْ الصَّلاَةُ فَإِنْ صَلَّوْا جُلُوسًا فَقَدْ أَسَاءُوا، وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلاَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ مَنَعَةٌ، وَكَانُوا يَخَافُونَ إنْ قَامُوا أَنْ يُرَوْا، فَيَصْطَلِحُوا صَلَّوْا قُعُودًا، وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلاَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ يَرَوْنَهُمْ مُطِلِّينَ عَلَيْهِمْ، وَدُونَهُمْ خَنْدَقٌ أَوْ حِصْنٌ أَوْ قَلْعَةٌ أَوْ جَبَلٌ لاَ يَنَالُهُ الْعَدُوُّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لاَ يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَبْصَارِ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَحْرُسُهُمْ لَمْ يَجْزِهِمْ أَنْ يُصَلُّوا جُلُوسًا، وَلاَ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَلاَ يُومِئُونَ، وَلاَ تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلاَةُ يُومِئُونَ وَجُلُوسًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ إلَّا فِي حَالِ مُنَاظَرَةِ الْعَدُوِّ، وَمُسَاوَاتِهِ، وَإِطْلاَلِهِ، وَقُرْبِهِ حَتَّى يَنَالَهُمْ سِلاَحٌ إنْ أَشْرَعَهَا إلَيْهِمْ مِنْ الرَّمْيِ وَالطَّعْنِ، وَالضَّرْبِ، وَيَكُونُ حَائِلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلاَ تَمْنَعُهُمْ طَائِفَةٌ حَارِسَةٌ لَهُمْ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا رِجَالاً، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْخَوْفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أُسِرَ رَجُلٌ فَمُنِعَ الصَّلاَةَ فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا مُومِيًا صَلَّاهَا، وَلَمْ يَدَعْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُضُوءِ، وَصَلَّاهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّاهَا مُتَيَمِّمًا وَكَذَلِكَ إنْ حُبِسَ تَحْتَ سَقْفٍ لاَ يَعْتَدِلُ فِيهِ قَائِمًا أَوْ رُبِطَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رُكُوعٍ، وَلاَ عَلَى سُجُودٍ صَلَّاهَا كَيْفَ قَدَرَ، وَلَمْ يَدَعْهَا، وَهِيَ تُمْكِنُهُ بِحَالٍ وَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ قَضَاءُ مَا صَلَّى هَكَذَا مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ، وَكَذَلِكَ إنْ مُنِعَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مَتَى أَمْكَنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ حُمِلَ عَلَى شُرْبِ مُحَرَّمٍ أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَفَعَلَهُ، فَعَلَيْهِ إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَتَقَايَأَ أَنْ يَتَقَايَأَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الْخَوْفِ مُمْسِكًا عِنَانَ دَابَّتِهِ فَإِنْ نَازَعَتْهُ فَجَبَذَهَا إلَيْهِ جَبْذَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلاَ بَأْسَ وَإِنْ كَثُرَتْ مجابذته إيَّاهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَدْ قَطَعَ صَلاَتَهُ، وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِنْ جَبَذَتْهُ فَانْصَرَفَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَأَقْبَلَ مَكَانَهُ عَلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تُقْطَعْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ طَالَ انْحِرَافُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَلاَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَدَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَنْحَرِفْ إلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلاَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ ذَهَبَتْ دَابَّتُهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتْبَعَهَا فَإِذَا تَبِعَهَا عَلَى الْقِبْلَةِ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ فَإِنْ تَبِعَهَا كَثِيرًا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلاَةِ إلَّا مُقَاتِلاً صَلَّى وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ يُصَلِّيهَا وَهُوَ مُقَاتِلٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: يُصَلِّي صَلاَةَ الْخَوْفِ مَنْ قَاتَلَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهَا فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ فِي سِيَاقِ الآيَةِ: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} الْآيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ جِهَادٍ كَانَ مُبَاحًا يَخَافُ أَهْلُهُ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِأَنَّ الْمُجَاهِدِينَ عَلَيْهِ مَأْجُورُونَ أَوْ غَيْرُ مَأْزُورِينَ، وَذَلِكَ جِهَادُ أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِجِهَادِهِمْ وَجِهَادِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَمَنْ أَرَادَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ حَرِيمِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا مَنْ قَاتَلَ، وَلَيْسَ لَهُ الْقِتَالُ فَخَافَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُ إيمَاءً، وَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَ أَنْ يُعِيدَهَا، وَلاَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي خَوْفٍ دُونَ غَايَةِ الْخَوْفِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلاَةً لَوْ صَلَّاهَا غَيْرَ خَائِفٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ مَنْ قَاتَلَ ظُلْمًا مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ يُقَاتِلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ حَقٍّ قِبَلَهُ أَوْ أَيْ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الظُّلْمِ قَاتَلَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا خَافَتْ الْجَمَاعَةُ الْقَلِيلَةُ السَّبُعَ أَوْ السِّبَاعَ فَصَلَّوْا صَلاَةَ الْخَوْفِ كَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُصَلِّيَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ بِإِمَامٍ ثُمَّ أُخْرَى بِإِمَامٍ آخَرَ، وَإِذَا خَافُوا الْحَرِيقَ عَلَى مَتَاعِهِمْ أَوْ مَنَازِلِهِمْ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً ثُمَّ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، وَيَكُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي صَلاَةٍ فِي إطْفَاءِ النَّارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانُوا سَفْرًا فَغَشِيَهُمْ حَرِيقٌ فَتَنَحَّوْا عَنْ سُنَنِ الرِّيحِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَّا كَمَا يُصَلُّونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا حُضُورًا فَغَشِيَ الْحَرِيقُ لَهُمْ أَهْلاً أَوْ مَالاً أَوْ مَتَاعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ غَشِيَهُمْ غَرَقٌ تَنَحَّوْا عَنْ سُنَنِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَشِيَهُمْ هَدَمٌ تَنَحَّوْا عَنْ مَسْقَطِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ صَلَّوْا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا صَلاَةَ خَوْفٍ تُجْزِئُ عَنْ خَائِفٍ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ عَنْهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَلَبَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَحَرَّفُوا لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيَّزُوا إلَى فِئَةٍ. فَقَارَبُوهُمْ، كَانَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْخَوْفِ رُكْبَانًا، وَرِجَالاً يُومِئُونَ إيمَاءً حَيْثُ تَوَجَّهُوا عَلَى قِبْلَةٍ كَانُوا أَوْ عَلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا عَلَى قِبْلَةٍ ثُمَّ رَأَوْا طَرِيقًا خَيْرًا لَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ سَلَكُوا عَلَيْهَا، وَإِنْ انْحَرَفُوا عَنْ الْقِبْلَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ رَجَعَ عَنْهُمْ الطَّلَبُ أَوْ شُغِلُوا أَوْ أَدْرَكُوا مَنْ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ الطَّلَبِ، وَقَدْ افْتَتَحُوا الصَّلاَةَ رُكْبَانًا، لَمْ يَجْزِهِمْ إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا فَيَبْنُوا عَلَى صَلاَتِهِمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ كَمَا وَصَفْت فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ الَّتِي لَيْسَتْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِمَّنْ رَأَوْا، وَلاَ يَأْمَنُونَ طَلَبًا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْهُ، كَانَ لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا عَلَى أَنْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ تَفَرَّقُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ فَابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ بِالْأَرْضِ ثُمَّ جَاءَهُمْ طَلَبُ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا وَيُتِمُّوا الصَّلاَةَ رُكْبَانًا يُومِئُونَ إيمَاءً، وَكَذَلِكَ لَهُمْ إنْ قَعَدُوا رَجَّالَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا أَيُّ عَدُوٍّ طَلَبَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَغَيْرِهِمْ إذَا كَانُوا مَظْلُومِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إنْ طَلَبَهُمْ سَبْعٌ أَوْ سِبَاعٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ غَشِيَهُمْ سَيْلٌ لاَ يَجِدُونَ نَجْوَةً كَانَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا يُومِئُونَ عَدُوًّا عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَرِكَابِهِمْ فَإِنْ أَمْكَنَتْهُمْ نَجْوَةٌ لَهُمْ، وَلِرِكَابِهِمْ سَارُوا إلَيْهَا، وَبَنَوْا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِمْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِمْ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُمْ نَجْوَةٌ لِأَبْدَانِهِمْ، وَلاَ تُمْكِنُهُمْ لِرِكَابِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا، وَيُصَلُّوا صَلاَةَ الْخَوْفِ عَلَى وُجُوهِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَمْكَنَهُمْ نَجْوَةٌ يَلْتَقِي مِنْ وَرَائِهَا، وَادِيَانِ فَيَقْطَعَانِ الطَّرِيقَ كَانَتْ هَذِهِ كَلاَ نَجْوَةٍ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْخَوْفِ يُومِئُونَ عَدُوًّا، وَإِنَّمَا لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ طَرِيقٌ يُتَنَكَّبُ عَنْ السَّيْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ غَشِيَهُمْ حَرِيقٌ كَانَ هَذَا لَهُمْ مَا لَمْ يَجِدُوا نَجْوَةً مِنْ جَبَلٍ يَلُوذُونَ بِهِ يَأْمَنُونَ بِهِ الْحَرِيقَ أَوْ تَحُولُ رِيحٌ تَرُدُّ الْحَرِيقَ أَوْ يَجِدُونَ مَلاَذًا عَنْ سُنَنِ الْحَرِيقِ فَإِذَا وَجَدُوا ذَلِكَ بَنَوْا عَلَى صَلاَتِهِمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ بِالْأَرْضِ لاَ يَجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَعَادُوا الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ طَلَبَهُ رَجُلٌ صَائِلٌ فَهُوَ مِثْلُ الْعَدُوِّ وَالسَّبْعِ، وَكَذَلِكَ الْفِيلُ، لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَا كُلِّهِ يُومِئُ إيمَاءً حَتَّى يَأْمَنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ عَدُوٌّ مَا كَانَ مِمَّا يَنَالُ مِنْهُ قَتْلاً أَوْ عَقْرًا، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُ أَيْنَ تَوَجَّهَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا تَفَرَّقَ الْعَدُوُّ، وَرَجَعَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَوْضِعٍ فَرَأَوْا سَوَادًا مِنْ سَحَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إبِلٍ أَوْ جَمَاعَةِ نَاسٍ لَيْسَ بِعَدْوٍ أَوْ غُبَارٍ، وَقَرُبَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَدُوًّا نَالَهُ سِلاَحُهُ فَظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَا رَأَى مِنْ هَذَا عَدُوًّا فَصَلَّى صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُونَ إيمَاءً ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنَّ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ عَدُوًّا، أَعَادُوا تِلْكَ الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ ثُمَّ لَمْ يَبِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ عَدُوٍّ، وَلَمْ يَدْرِ أَعَدُوٌّ هُوَ أَمْ لاَ؟ أَعَادَ تِلْكَ الصَّلاَةَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى رُؤْيَةٍ يَعْلَمُ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَقَبْلَهَا أَنَّهَا حَقٌّ أَوْ خَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُؤْيَةٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ لِأَنَّ الْخَبَرَ عِيَانٌ كَعِلْمِهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَإِمَّا إذَا شَكَّ فَيُعِيدُ الصَّلاَةَ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ أَنَّ صَلاَتَهُ تِلْكَ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَاءَ خَبَرٌ عَنْ عَدُوٍّ فَصَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ كَانَ يَطْلُبُهُ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ الْقُرْبَ الَّذِي يَخَافُ رَهَقَهُ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ، وَكَذَلِكَ أَنْ يَطْلُبَهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاةِ مِنْهُ، وَالْمَصِيرِ إلَى جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْهُ بِهَا أَوْ مَدِينَةٍ يَمْتَنِعُ فِيهَا الشَّيْءُ الْقَرِيبُ الَّذِي يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّ الْعَدُوَّ لاَ يَنَالُهُ عَلَى سُرْعَةِ الْعَدُوِّ وَإِبْطَاءِ الْمَغْلُوبِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى النَّجَاةِ وَمَوْضِعِ الِامْتِنَاعِ أَوْ يَكُونَ خَرَجَتْ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ تَلْقَاهُ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَرَّبَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يُحِيطَ الْعِلْمَ أَنَّ الطَّلَبَ لاَ يُدْرِكُهُ حَتَّى يَصِيرَ إلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَوْ تَصِيرَ إلَيْهِ فَمَنْ صَلَّى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُومِئًا أَعَادَهُ كُلَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ أَمْيَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُومِئًا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَرْكَبَ فَيَنْجُوَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ يَنْزِلُ لِصَلاَةٍ أَوْ لاَ يَنْزِلُ لَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمْ الطَّالِبِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا، وَلاَ مُشَاةً يُومِئُونَ إيمَاءً إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَقِلَّ الطَّالِبُونَ عَنْ الْمَطْلُوبِينَ وَيَنْقَطِعَ الطَّالِبُونَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ فَيَخَافُونَ عَوْدَةَ الْمَطْلُوبِينَ. عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا يُومِئُونَ إيمَاءً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْإِمْعَانُ فِي الطَّلَبِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ الْعَوْدَةُ إلَى أَصْحَابِهِمْ، وَمَوْضِعِ مَنَعَتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْتَقِلُوا بِالطَّلَبِ حَتَّى يُضْطَرُّوا إلَى أَنْ يُصَلُّوا الْمَكْتُوبَةَ إيمَاءً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِثْلُهُ أَنْ يُكْثِرُوا، وَيُمْعِنُوا حَتَّى يَتَوَسَّطُوا بِلاَدَ الْعَدُوِّ فَيَقِلُّوا فِي كَثْرَةِ الْعَدُوِّ فَيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُومِئِينَ إذَا خَافُوا عَوْدَةَ الْعَدُوِّ إنْ نَزَلُوا، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُمْعِنُوا فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ، وَلاَ طَلَبِهِ إذَا كَانُوا يُضْطَرُّونَ إلَى أَنْ يُومِئُوا إيمَاءً، وَلَهُمْ ذَلِكَ مَا كَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ لاَ يُضْطَرُّونَ إلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّوْا يُومِئُونَ إيمَاءً فَعَادَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ جِهَةٍ، تَوَجَّهُوا إلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي صَلاَتِهِمْ لاَ يَقْطَعُونَهَا، وَدَارُوا مَعَهُمْ أَيْنَ دَارُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَقْطَعُ صَلاَتَهُمْ تَوَجُّهُهُمْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلاَ أَنْ يُتَرِّسَ أَحَدُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَضْرِبَ الضَّرْبَةَ الْخَفِيفَةَ أَوْ رَهِقَةَ عَدُوٍّ أَوْ يَتَقَدَّمَ التَّقَدُّمَ الْخَفِيفَ عَلَيْهِ بِرُمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَعَادَ الضَّرْبَ، وَأَطَالَ التَّقَدُّمَ قَطَعَ صَلاَتَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَ مُقَاتِلٍ، وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ صَلَّى وَهُوَ يُقَاتِلُ، وَأَعَادَ الصَّلاَةَ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَدَعُ الصَّلاَةَ فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مَطْلُوبِينَ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ صَلَّوْا يُومِئُونَ، وَلَمْ يُعِيدُوا إذَا قَدَرُوا عَلَى الصَّلاَةِ بِالْأَرْضِ، وَإِنْ كَانُوا مُوَلِّينَ الْمُشْرِكِينَ أَدْبَارَهُمْ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ فَصَلَّوْا يُومِئُونَ أَعَادُوا لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ عَاصُونَ وَالرُّخْصَةُ عِنْدَنَا لاَ تَكُونُ إلَّا لِمُطِيعٍ فَأَمَّا الْعَاصِي فَلاَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَالْخَوْفُ فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ سَوَاءٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ الصَّلاَةِ، وَفِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاَةَ وَصَلاَةُ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ الَّذِي لاَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ كَهُوَ فِي الْحَضَرِ، وَلاَ تُقْصَرُ بِالْخَوْفِ الصَّلاَةُ دُونَ غَايَةٍ تُقْصَرُ إلَى مِثْلِهَا الصَّلاَةُ فِي سَفَرٍ لَيْسَ صَاحِبُهُ بِخَائِفٍ. قال: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ بِذِي قَرَدٍ، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عِنْدِي لَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا جَمَعَ الْخَوْفَ، وَضَرْبًا فِي الْأَرْضِ، قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، قَصَرَ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَلاَ يَقْصُرُ الْخَائِفُ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ السَّفَرَ الَّذِي إنْ سَافَرَهُ غَيْرُ خَائِفٍ قَصَرَ الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلاَدِ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَقْصُرُوا إلَّا أَنْ يَنْوُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ الَّذِي أَغَارُوا مِنْهُ الْإِغَارَةَ عَلَى مَوْضِعٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ، فَإِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يُغِيرَ إلَى مَوْضِعٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَإِذَا وَجَدَ مَغَارَةً دُونَهُ أَغَارَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفْرِدَ النِّيَّةَ لِسَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا هُوَ إذَا غَشِينَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا فَعَلَ مَا وَصَفْت فَبَلَغَ فِي مَغَارِهِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ كَانَ لَهُ قَصْرُ الصَّلاَةِ رَاجِعًا إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَةَ إلَى عَسْكَرِهِ أَوْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ مَغَارًا حَيْثُ وَجَدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ لَمْ يَقْصُرْ رَاجِعًا، وَكَانَ كَهُوَ بَادِئًا لاَ يَقْصُرُ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَيْسَتْ قَصْدَ وَجْهٍ وَاحِدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ بَلَغَ فِي مَغَارِهِ مَوْضِعًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ مِنْ عَسْكَرِهِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى عَسْكَرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فَإِنْ سَافَرَ قَلِيلاً، وَقَصَرَ أَوْ لَمْ يَقْصُرْ ثُمَّ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ مَغَارٍ حَيْثُ وَجَدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ، وَلاَ يَكُونُ الْقَصْرُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَفَرُهُ يَنْوِي بَلَدًا تُقْصَرُ إلَى مِثْلِهِ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَزَا الْإِمَامُ الْعَدُوَّ فَكَانَ سَفَرُهُ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ أَقَامَ لِقِتَالِ مَدِينَةٍ أَوْ عَسْكَرٍ أَوْ رَدِّ السَّرَايَا أَوْ لِحَاجَةٍ أَوْ عُرْجَةٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ إلَى مَدِينَةٍ أَوْ فِي مَدِينَةٍ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ أَوْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ أَجْمَعَ مَقَامَ أَرْبَعَ أَتَمَّ، وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ مَقَامَ أَرْبَعٍ لَمْ يُتِمَّ فَإِنْ أَلْجَأَتْ بِهِ حَرْبٌ أَوْ مَقَامٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَاسْتَيْقَنَ مَقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِنْ قَصَرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ أَتَمَّ، فَإِذَا شَخَصَ عَنْ مَوْضِعِهِ قَصَرَ. ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا أَقَامَ، وَسَافَرَ لاَ يَخْتَلِفُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَزَا أَحَدٌ مِنْ مَوْضِعٍ لاَ تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أَتَمَّ الصَّلاَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا فَصَلِّي صَلاَةَ الْخَوْفِ بِمُسَافِرِينَ، وَمُقِيمِينَ أَتَمُّوا مَعًا، وَكَذَلِكَ يُتِمُّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ الصَّلاَةِ فَإِذَا صَلَّى صَلاَةَ خَوْفٍ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْأُولَى، وَهُوَ مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ ثَبَتَ قَائِمًا يَقْرَأُ حَتَّى يَقْضِيَ الْمُسَافِرُونَ رَكْعَةً وَالْمُقِيمُونَ ثَلاَثًا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، وَيُصَلِّي لَهُمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، وَيَثْبُتُ جَالِسًا حَتَّى يَقْضِيَ الْمُسَافِرُونَ رَكْعَةً، وَالْمُقِيمُونَ ثَلاَثًا، وَلَوْ سَلَّمَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ الْآخَرِينَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ، وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ إذَا قَصَرَ، وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ، وَصَلاَةُ الْخَوْفِ فِي الْبَرِّ، وَالْبَحْرِ سَوَاءٌ؛ لاَ تَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يَدَعُ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ، وَلاَ الْعِيدَ، وَلاَ صَلاَةَ الْخُسُوفِ إذْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَيُحْرَسَ فِيهَا، وَيُصَلِّيهَا كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَاتِ فِي الْخَوْفِ، وَإِذَا كَانَ شِدَّةَ الْخَوْفِ صَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَاتِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُ إيمَاءً، وَلاَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِأَنْ يَخْطُبَ قَبْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّى الْعِيدَيْنِ أَوْ الْخُسُوفَ خَطَبَ بَعْدَهُمَا فَإِنْ أُعْجِلَ فَتَرَكَ الْخُطْبَةَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، وَإِنْ شُغِلَ بِالْحَرْبِ أَحْبَبْت أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فِي الْعِيدَيْنِ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ فِي الْكُسُوفِ لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يَدْخُلَ، وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَقْضِ، وَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ خَائِفًا بِمِصْرٍ تُجْمَعُ فِيهِ الصَّلاَةُ، مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّ أَهْلُ الْمِصْرِ لِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَجْدَبَ، وَهُوَ مُحَارِبٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَعَ الِاسْتِسْقَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مُمْتَنِعٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ، وَيُصَلِّيَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ شِدَّةُ الْخَوْفِ لَمْ يُصَلِّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَيُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفِ لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُ تَأْخِيرُهُمَا، وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ فِي صَحْرَاءَ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَيُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفِ لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُ تَأْخِيرُهُمَا، وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ فِي صَحْرَاءَ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاَةُ أَوْ لاَ تُقْصَرُ فَلاَ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ، وَيُصَلُّونَهَا ظُهْرًا وَكَذَلِكَ لاَ أَحُضُّهُمْ عَلَى صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ، وَإِنْ فَعَلُوا لَمْ أَكْرَهْهُ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا، وَلاَ أُرَخِّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ صَلاَةِ الْكُسُوفِ وَإِنَّمَا أَمَرْتُهُمْ بِصَلاَةِ الْكُسُوفِ لِأَنَّهُ يُصَلِّيهَا السُّفَرُ، وَلَمْ أَكْرَهْ لَهُمْ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُنْفَرِدُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَلاَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلاَ تَجُوزُ لِأَنَّهَا إحَالَةُ مَكْتُوبَةٍ إلَى مَكْتُوبَةٍ إلَّا فِي مِصْرَ، وَجَمَاعَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فَهُوَ كَحَدَثِهِ فِي غَيْرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا، فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَمَا صَلَّاهَا، وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْآخِرِ فَقَرَأَ، وَلَمْ تَدْخُلْ مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، قَضَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّلاَةِ، وَأَمَّ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى إمَامٌ مِنْهُمْ أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى، وَلَوْ قَدَّمَ رَجُلاً فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً، وَهُوَ قَائِمٌ يَقْرَأُ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الَّتِي خَلْفَهُ، وَقَفَ الَّذِي قُدِّمَ كَمَا يَقِفُ الْإِمَامُ، وَقَرَأَ فِي وُقُوفِهِ، فَإِذَا فَرَغَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، وَدَخَلَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي وَرَاءَهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْرِ سُورَةٍ ثُمَّ رَكَعَ بِهِمْ، وَكَانَ فِي صَلاَتِهِمْ لَهُمْ كَالْإِمَامِ الْأَوَّلِ لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، وَانْتَظَرَهُمْ حَتَّى يَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُحْدِثُ مُقِيمًا، وَاَلَّذِي قُدِّمَ آخِرًا مُسَافِرًا فَسَوَاءٌ، وَعَلَيْهِ صَلاَةُ مُقِيمٍ إذَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي قَدَّمَهُ مُسَافِرًا، وَالرَّجُلُ الَّذِي قَدَّمَهُ مُقِيمًا، وَقَدْ صَلَّى الْمُحْدِثُ رَكْعَةً فَعَلَى الْمُقَدَّمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتَ جَالِسًا، وَيُصَلِّيَ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَتَشَهَّدُونَ، وَيُسَلِّمُونَ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا إلَى صَلاَةِ مُقِيمٍ فَعَلَيْهِمْ التَّمَامُ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَلاَتِهِ وَيَقُومُونَ فَيَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَلاَ يَجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا دَخَلَ مَعَ إمَامٍ مُقِيمٍ فِي صَلاَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَدَّمَ الْإِمَامُ لَنْ يَدْخُلَ فِي صَلاَةِ الْإِمَامِ حَتَّى أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ لَمْ يَرْكَعْ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً، وَقَدْ كَبَّرَ الْمُقَدَّمُ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَعَلَيْهِ إذَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَزِيدَ مَعَهَا شَيْئًا أَحَبُّ إلَيَّ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِالْقَوْمِ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ الصَّلاَةَ بِهِمْ فَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي قَدَّمَهُ مُقِيمًا فَعَلَى مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الصَّلاَةَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الصَّلاَةَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ فَأَمَّا الْمُقِيمُونَ فَيُصَلُّونَ أَرْبَعًا بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ قَدَّمَ رَجُلاً لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ مِنْ الصَّلاَةِ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الصَّلاَةِ، وَإِنْ اسْتَأْنَفَهَا فَتَبِعَهُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ مِمَّنْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا صَلَّى مَعَهُ الرَّكْعَةَ أَوْ لَمْ يُصَلِّهَا فَعَلَيْهِمْ مَعًا الْإِعَادَةُ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ يَزِيدُ فِي صَلاَتِهِ عَامِدِينَ غَيْرَ سَاهِينَ وَلاَ سَاهٍ إمَامُهُ، وَمَنْ صَلَّى مَعَهُ مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ مَعَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَصَلاَتُهُ عَنْهُ مُجْزِئَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ بَنَى هُوَ عَلَى صَلاَةِ الْإِمَامِ فَصَلاَتُهُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ لاَ دَاخِلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلاَتِهِ فَيَتْبَعُهَا، وَلاَ مُبْتَدِئَ لِنَفْسِهِ فَيَعْمَلُ عَمَلَ الْمُبْتَدِئِ، وَكَذَلِكَ صَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ كُلِّهِمْ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ رَجُلٌ عَمَدَ أَنْ يَقْلِبَ صَلاَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ كَبَّرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً بَنَى عَلَى صَلاَةِ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ لاَ يُخَالِفُهُ إلَّا فِيمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَتَشَهَّدَ فِي آخَرِ صَلاَةِ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَكْمَلَ رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا ثُمَّ قَدَّمَهُ فَيَثْبُتُ قَائِمًا حَتَّى تَقْضِيَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَتُسَلِّمَ، وَتَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى الْإِمَامِ، وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ حَتَّى تَقْضِيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَإِذَا قَضَوْا التَّشَهُّدَ قَدَّمَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ هُوَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ حَتَّى تَكْمُلَ صَلاَتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً ثُمَّ يَجْلِسَ لِلتَّشَهُّدِ فَيُسَلِّمَ، وَلاَ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ حَتَّى تَقْضِيَ فَيُسَلِّمَ بِهَا كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، وَلاَ صَلاَتُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ إمَامًا ابْتَدَأَ صَلاَةَ الْخَوْفِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلاً مِمَّنْ خَلْفَهُ فَلَمْ يَقْضِ مِنْ الصَّلاَةِ شَيْئًا حَتَّى حَدَثَ لَهُمْ أَمْنٌ، إمَّا لِجَمَاعَةٍ كَثُرَتْ، وَقَلَّ الْعَدُوُّ، وَإِمَّا بِتَلَفِ الْعَدُوِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْأَمْنِ، صَلَّى الْإِمَامُ الْمُقَدَّمُ صَلاَةَ أَمْنٍ بِمَنْ خَلْفَهُ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ فَصَلَّتْ مَعَهُمْ لِأَنَّ الْخَوْفَ قَدْ ذَهَبَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَتَّى صَلَّى بِهَا إمَامٌ غَيْرُهُ أَوْ صَلَّتْ فُرَادَى، وَكَانُوا كَقَوْمٍ لَمْ يُصَلُّوا مَعَ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ خَوْفٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ مَحْرُوسًا إذَا خَطَبَ بِطَائِفَةٍ، وَحَضَرَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ الْخُطْبَةَ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ بِقِرَاءَةٍ يَجْهَرُونَ فِيهَا ثُمَّ، وَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَثَبَتَ جَالِسًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ، وَلَوْ انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ فَحَرَسُوا الْإِمَامَ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تَحْضُرْ فَصَلَّى بِهِمْ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهِمْ إلَّا ظُهْرًا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ عَنْهُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ فَصَارَ كَإِمَامٍ خَطَبَ، وَحْدَهُ ثُمَّ جَاءَتْهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى بِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ وَبِالطَّائِفَةِ الَّتِي تَحْرُسُهُ رَكْعَةً، وَثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةً خُطْبَتَهُ ثُمَّ لَمْ تَدْخُلْ فِي صَلاَتِهِ حَتَّى حَرَسَتْ الْعَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً حَضَرُوا الْخُطْبَةَ، وَزَادَتْ جَمَاعَةٌ لَمْ يَحْضُرُوا الْخُطْبَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شُغِلُوا بِالْعَدُوِّ فَلَمْ يَحْضُرُوا الْخُطْبَةَ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا أَرْبَعًا صَلاَةَ الْخَوْفِ الْأُولَى إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ صَلاَتَهُ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا ثُمَّ حَدَثَتْ لِلْعَدُوِّ حَالٌ أَمْكَنَهُ فِيهَا أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ، وَوَجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ إنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَصَلَّوْا ظُهْرًا كَرِهْت لَهُمْ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَعَادَ هُوَ، وَمَنْ مَعَهُ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَعَادَهَا هُوَ إمَامًا، وَمَنْ مَعَهُ مَأْمُومِينَ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِينَ، وَكَرِهْته لِلْإِمَامِ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّاهَا خَلْفَهُ مِمَّنْ صَلَّاهَا أَوْ لَمْ يُصَلِّهَا إذَا صَلَّى فِي، وَقْتِ الْجُمُعَةِ.
|